بــــــسم اللــــــــــــه الرحمـــــــــــــــــــــــن الرحيـــــــــــــــم
استميحكم عذراً لأن كلماتي هذه جاءت وسط دموع انهمرت.. فلم أعد أعرف ماذا
أفعل وكيف أتصرف، فاسطوانة الغاز في بيتي فرغت تماماً، ولا يوجد غاز
للطهي.. ونفذ الخبز كذلك.. ودواء أطفالي أيضاً.
في الخارج بينما كنت أتجول بالطبع مشيا على أقدامي شاهدت العشرات يقفون
أمام محطة تعبئة الغاز المنزلي، الغريب أن المحطة وضعت يافطة كبيرة على
الباب الرئيسي (مغلق فلا يوجد غاز)، ومع هذا فالعشرات يقفون.. قد يكون
الأمل.. وقد يكون الهروب من أسئلة أطفالهم ونساءهم!؟.
وعلى مسافة لا تبعد كثيرا من تلك المحطة يتزاحم العشرات أمام محطة تحلية
للمياه خوفا من نفاد آخر قطرة ماءٍ صالحة للشرب، وبعدها سيضطر الفلسطيني
لشرب المياه الملوثة.
دانه "ابنتي" التي رافقتني الرحلة التعيسة، لا تدرك ما الأمر فهي لا زالت
ابنة الخمسة أعوام، تسألني.. لما هؤلاء الناس يتجمهرون.!؟ هي لا تدرك حجم
الكارثة التي وصلنا إليها، ولا تعلم أنها لن تتناول طعام الغداء كعادتها،
وستضطر لأكل كافة أنواع الأجبان، إن وجدت أصلاً، بديلا عن الطعام.
الساعة الآن الثانية والنصف بعد منتصف الليل، لا أحب السهر مطلقاً، ولأن
زوجي يدرك حبي لعشرينات، أيقظني من نومي بمجرد أن عادت الكهرباء لبيوتنا
بعد الواحدة ليلاً، فليلة أخرى من الظلام الدامس يعيشها قطاع غزة لولا ضوء
القمر الذي ينير طرقاتها.
أعتذر إليك يا غزة.. فلا أملك الفانوس السحري ليخرجك من عتمة الليل، ولا
أملك مفاتيح الحكم لأبت في أمرك.. كل ما املكه هو دعائي أن يصبرنا الله على
هذا البلاء، وأن يثبت عزيمتنا، حتى لا نكون طعام شهياً لأعداء السلام
والإنسانية.
أعتذر إليك يا أحمد، فقد مر عيد ميلادك يا حبيبي دون أن أصنع لك بعض الحلوة
التي تحبها، ولم أجد شيئا في المحال التجارية أهديه إليك لتفوقك في
مدرستك.
يا ماما، أنا احبك وأتمنى أن تعيش كباقي أطفال العالم، ولكني لا أملك لك
شيئا الآن.. الآن يا صغيري كلنا مكبلون بأصفاد الحصار الخانق على أرواحنا.
هذا هو قدرنا يا ابني.. وهذه هي حياتنا يا ولدي.. كلما توسمنا خيراً في
الأيام المقبلة، جاءت بعكس ما نتوقع.. كنت قد وعدتك يا صغيري أن أغمرك
بالألعاب والهدايا عندما يصلني راتبي، ولكني الآن اعتذر إليك يا حبيبي فلا
لعبة في غزة.. هنا فقط لعبة اليهود والمقاومة التي أحكيها إليك مساء كل
يوم.
لك الله يا غزة.. انتهى عصر الفاروق عمر وصلاح الدين، ولا حاكم يشعر ما
تشعرين، فاسلكي دربك وحدك بسواعد رجالكِ وشبابكِ، فطريقكِ طويل ومشواركِ
بعيد..