في أفلام الرسوم المتحركة توجد شخصية العجوز الشمطاء التي تمتطي مكنستها السحرية في الليل باحثة عن الأطفال الصغار لتختطفهم و تحملهم معها الى كوخها القديم حيث ينتظرهم دائما قدر كبير يغلي بمواد غريبة , تضع الساحرة الأطفال فيه كجزء من تحضير وصفتها السحرية , و أنت عزيزي القارئ لابد ان شاهدت هكذا أفلام في طفولتك و حينها ربما خفت فسارع والداك لطمأنتك و أخبراك بأنها قصص خيالية لا توجد الا في عالم الرسوم المتحركة , لكن اليوم اعتقد بأنك كبرت كفاية لكي أفاجئك بالحقيقة , نعم هناك ساحرات شريرات!! ربما تضحك لكن لا تتسرع , اقرأ هذه القصة جيدا و تذكر و أنت تغمض عيناك ليلا لتنام بأن ما شاهدته في طفولتك لم يكن خيالا أبدا , و انه على طول التاريخ , كان هناك أطفال يخطفون ليقتلوا و يتم العبث بأجسادهم.
من شحوم الأطفال و دمائهم كانت تصنع مستحضرات تجميل للأغنياء
انركيتا مارتي ريبولس (Enriqueta Martí i Ripollés ) , اسم ربما لم يسمع به الكثيرون لأشهر قاتلة أطفال في التاريخ الحديث , امرأة كاتلونية تجردت من كل عاطفة و رحمة و تحولت الى مخلوق بشع يقتات على بقايا الأطفال و أشلائهم , ليس لمرض عقلي او عقدة نفسية كما هو الحال بالنسبة لبقية المجرمين , لكن من اجل المال , فالأطفال هم جزء من مهنتها و شحومهم و دمائهم هي أهم عنصر في صنعتها , فهي ساحرة شريرة تحتفظ بمجموعة من الكتب و المخطوطات السحرية القديمة و تستعملها لصنع وصفاتها الدموية , انركيتا لم تكن أول و لا اخر الساحرات , فهناك الكثيرات منهن , بعضهن يعشن في أحيائنا و ربما مررن بنا دون ان نشك بهن للحظة , عجائز طيبات وديعات في النهار و شريرات قاسيات يتجولن في الليل في المقابر للعبث بجثث الموتى او القيام بأمور لا أخلاقية و شاذة من اجل إرضاء الجن و الشياطين , الله وحده يعلم كم من الأطفال تم اختطافهم بواسطة هكذا عجائز؟ يخدعوهم بقطعة حلوى ثم لا يسمع عنهم احد بعد ذلك و لا يعلم ماذا جرى و حل بهم , أطفال مساكين لم تتخيل عقولهم البريئة هكذا إجرام و قسوة.
في نهاية القرن التاسع عشر , في احد شوارع برشلونة القذرة , خطت شابة جميلة اول خطواتها داخل المدينة الكبيرة , لا احد يعلم على وجه الدقة من أين أتت و لكنها كانت واحدة من القرويات اللواتي يقدمن الى المدينة كل يوم باحثات عن حياة جديدة و فرصة عمل تساعدهن في التخلص من فقرهن المدقع و المزمن , لكن هذه الأماني و الأحلام سرعان ما تتبخر و تضيع في زحام المدينة , و غالبا ما ينتهي بهن المطاف الى مواخير العهر و بيوت الدعارة ليبعن أجسادهن بأبخس الأثمان , أحيانا من اجل مبيت ليلة او من اجل كسرة خبز , هذه القصة تكررت منذ القدم و لازالت تحدث كل يوم في اغلب المدن الكبرى حول العالم , و انركيتا لم تكن استثناءا من هذه القاعدة , في البداية عملت كخادمة في بيوت احد الأثرياء لكنها تركت هذه المهنة بعد فترة قصيرة و امتهنت الدعارة فغدت واحدة من عواهر برشلونة الجميلات , لكنها تميزت عن الأخريات في انها وضعت لنفسها هدفا , ربما كان لا أخلاقيا و سافلا , لكنه على كل حال كان حافزا لها للوصول الى غايتها التي تجردت في سبيلها من أي مشاعر إنسانية , لقد كانت ذكية و فهمت منذ البداية ما هي البضاعة الرائجة في مهنتها , فبعض الأغنياء مستعدين لدفع مبالغ كبيرة من اجل تحقيق نزواتهم الشاذة , و هؤلاء المرضى النفسيين , الموجودين في كل زمان و مكان , يبحثون عن الأطفال لتفريغ نزعاتهم السادية و رغباتهم الجنسية المنحرفة , و قد بدئت انركيتا بتوفير هؤلاء الأطفال لهم , لم يكن أحدا يعلم من أين تأتي بهم و لم يكن مصدرهم مهما بالنسبة للأغنياء الذين اخذوا يدفعون لانركيتا بسخاء لقاء خدماتها , في عام 1909 داهمت الشرطة شقة انركيتا لتكتشف داخلها مجموعة من الأطفال من الجنسين تتراوح أعمارهم بين الخامسة و الخامسة عشر , لكن رغم إلقاء القبض عليها متلبسة الا ان انركيتا لم تحاكم و سرعان ما أطلق سراحها بواسطة مال و نفوذ زبائنها الأغنياء.
لا احد يعلم متى بدئت انركيتا بقتل الأطفال و متى بدء اهتمامها بالسحر و الوصفات السحرية , لكن الأكيد هو ان شغفها الكبير بالمال هو الذي دفعها الى هذا المسلك , فمنذ زمن بعيد , كان هناك اعتقاد قديم بان دماء الأطفال و شحومهم لها خواص طبية و سحرية , من الدم كان السحرة يحضرون إكسير الحب بعد ان يمزجوه بمواد أخرى مذكورة لديهم في وصفات سحرية قديمة , و من الشحم كان يحضر زيت يدهن به الجلد فيعيد له شبابه و نظارته , و في القرن التاسع عشر كان هناك الكثير من الناس لازالوا يؤمنون بهذه الخرافات , فكانت بعض أغنى و أجمل نساء برشلونة يستعملن هذه المستحضرات , و رغم ان اغلبهن يعلمن ما هي المواد التي تصنع منها , إلا ان ذلك لم يكن له أي أهمية , فأطفال الفقراء في نظرهن اقل مرتبة حتى من الحيوانات.
في النهار كانت انركيتا تتنكر في ملابس رثة و قذرة أشبه بملابس المتسولين ثم تتوجه الى أكثر أحياء المدينة فقرا و فاقة , كانت تبحث عن ضحاياها قرب الكنائس و الجمعيات الخيرية حيث يتجمع الأطفال الفقراء من اجل الحصول على كسرة خبز , و كانت تراقب الأطفال الذين يلعبون في الشارع بعيدا عن أنظار أهلهم , كان صيدها المفضل هو الأطفال المشردين و اليتامى الذين لا يسأل عنهم احد و الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاثة و اثنا عشر عاما , عادة تقوم بخداعهم بقطعة حلوى او وعد بوجبة شهية و أحيانا عنوة إذا كانوا صغار في الثلاثة او الرابعة من العمر , ثم تحملهم معها الى إحدى شققها الكثيرة المبثوثة في أنحاء المدينة.
اما في الليل فكانت انركيتا تتحول الى دوقة او ماركيزة , فترتدي افخر الثياب و المجوهرات و تذهب بواسطة عربة فاخرة الى دار الأوبرا و المنتديات الاجتماعية الراقية , هناك كانت تتواصل مع زبائنها من الطبقة العليا , تتعرف الى الأغنياء من وجهاء و أعيان المدينة و توفر لهم ما تتطلبه نزواتهم الشاذة , تتقرب الى النساء الجميلات الباحثات عن كسب قلوب الرجال فتقدم لهن اكاسير و تعاويذ سحرية مصنوعة من دماء و أشلاء الأطفال , اما الراغبات ببشرة ناعمة فكانت تمدهن بمستحضراتها التجميلية المصنوعة من شحوم الأطفال , و بالمقابل كان هؤلاء الزبائن الأثرياء يقدمون لانكريتا المال الوفير و الحماية.
اخر ضحايا انركيتا كانت طفلة في الخامسة من عمرها اسمها تريزيتا غيوتر , اختطفتها عام 1912 بينما كانت تلعب أمام منزلها في إحدى الضواحي الفقيرة ثم نقلتها الى إحدى شققها لتحبسها مع طفلة أخرى , و فيما بدء والدا تريزيتا يجولان بيأس في أحياء المدينة و مراكز الشرطة بحثا عن ابنتهم الصغيرة , كانت الطفلة المسكينة قد بدئت تعي ما ينتظرها من مصير اسود , فقد أخبرتها الطفلة المسجونة معها عن طفل صغير كان يلعب معها في الشقة لكن في احد الأيام اصطحبته انركيتا الى المطبخ و مددته على الطاولة الخشبية ثم ذبحته بالسكين و قطعت جسده و ملئت عدة قناني من دمه ثم قامت بإلقاء أشلائه في قدر كبير يغلي لاستخلاص الشحم و لتحضير خلطاتها السحرية , كانت الطفلتان تعلمان بأنهما ستلاقيان المصير ذاته بالتأكيد لولا تدخل القدر الذي شاء ان يضع نهاية أخرى لحياة هاتين الطفلتين , فبعد سبعة عشر يوما على اختطاف تريزيتا لاحظت احدى الجارات , عن طريق الصدفة , طفلة تحدق نحو الشارع بحزن من خلال الزجاج القذر لنافذة شقة انركيتا , كانت المرأة تعرف أطفال الحي جميعهم و لم تكن قد رأت هذه الطفلة من قبل , كما انها كانت تشبه الأوصاف التي عممتها الشرطة عن الطفلة المخطوفة , لذلك قامت المرأة باستدعاء الشرطة.
في 12 شباط / فبراير عام 1912 فتحت انركيتا باب شقتها لتفاجئ برجلا شرطة يسألانها عن وجود طفلة غريبة في بيتها , بدت انركيتا مضطربة و مترددة في الإجابة فازدادت شكوك الرجلين بحدوث أمر مريب مما حدا بهما الى دخول الشقة , خلف الباب شاهدا الفتاتين المخطوفتين و عندما سألا انركيتا عنهما أجابت بتلعثم بأن إحداهما ابنتها و الأخرى فتاة وجدتها ضائعة في الشارع فأشفقت عليها و جلبتها الى شقتها , بدا الجواب غير مقنع كما ان نظرات الخوف التي علت محيا الطفلتين و كذلك ملابسهن و أجسامهن القذرة جعلت الشرطيان يرتابان أكثر فقررا تفتيش الشقة , و سرعان ما بدئت تتكشف في زوايا البيت و أركانه , أشياء مرعبة لم يكونا يتخيلان رؤيتها في أسوء كوابيسهما , في المطبخ وجدا كيسا فيه ثياب طفل ممزقة و مغطاة بالدماء و في إحدى الغرف اكتشفوا بقايا بشرية , شعر و أجزاء من الجلد , قناني من الدم , أسنان و عظام لطفل , الغرف الأخرى كانت تعبق برائحة الموت و الجدران و الأرضية مغطاة بالدم , بعد رؤية هذه المناظر الرهيبة سارع الشرطيان الى اعتقال انركيتا و نقلها مع الأطفال الى مركز الشرطة , و سرعان ما بدئت تتكشف خبايا واحدة من أشهر القضايا الإجرامية في تاريخ برشلونة و اسبانيا لتنشر موجة من الخوف و الهلع بين السكان , و أخذت الجرائد تكتب في صفحات كاملة عن انركيتا و جرائمها مطلقين عليها لقب مصاصة دماء برشلونة ” la vampira de Barcelona ” و هو لقب تستحقه بجدارة , و أخذت التقارير و الشائعات حولها تعم اسبانيا حتى طغت على أخبار القلاقل السياسية و الأمنية التي كانت تعصف بالبلاد آنذاك.
في مخابئها الكثيرة المنتشرة في أنحاء المدينة عثرت الشرطة على أشياء مروعة , جثث و بقايا بشرية في كل مكان , ملابس أطفال مغطاة بالدماء , مخطوطات سحرية قديمة مكتوبة بلغات و رموز غير مفهومة , قدور كبيرة كانت تستعمل لغلي الأطفال , و ربما كان اهم و اخطر الأشياء التي تم العثور عليها هو سجل يحتوي على أسماء و عناوين زبائن انركيتا الأغنياء , كانت بينهم أسماء كبيرة و مشهورة كان الإفصاح عنها سيؤدي الى فضيحة مدوية في البلد , الا ان هذه الأسماء لم تنشر أبدا فقد اختفى السجل فجأة و محت آثاره يد خفية متنفذة , و نفس الشيء حدث مع انركيتا حيث لم تحاكم و لم تنشر اعترافاتها بشكل كامل و ادعت الشرطة بأنها حاولت الانتحار مرتين في سجنها ثم وجدت ميتة بعد حوالي السنة على اعتقالها و ادعت إدارة السجن بأنها قتلت على يد السجينات الأخريات و تم دفنها بسرعة في قبر حقير في إحدى مقابر برشلونة و دفن معها الى الأبد سر الأشخاص المتنفذين الذين كانت تتعامل معهم.
على الرغم من بشاعة جرائمها , الا ان الكثيرون اليوم يعتبرون انركيتا مجرد أداة و ان القاتل الحقيقي هو أولئك الأشخاص الأغنياء الذين تجردوا من كل شعور إنساني من اجل تحقيق مأربهم و نزواتهم الدنيئة , و هؤلاء هم أيضا من رتبوا لمقتل انركيتا في السجن لكي لا يفتضح أمرهم , و أمثال هؤلاء موجودون في كل عصر و زمان , فاليوم تعتبر تجارة جنس الأطفال و القاصرين من الجرائم المنتشرة في العالم , خصوصا في الدول الفقيرة , حيث لم تعد هناك حاجة لخطف الأطفال اذ ان ذويهم الفقراء غالبا ما يبيعوهم مجبرين مقابل مبالغ زهيدة ليتم استغلالهم جنسيا او يتم قتلهم من اجل الحصول على أعضاء جسدهم