بينما استطاع الإنسان معرفة وفهم معظم الأسرار المحيطة بعمليات الحياة، مثل التكاثر والسعي وراء الغذاء والدفاع عن النفس، فإنه ما يزال في براثن الحيرة أمام ظاهرة يومية منتظمة هي النوم! بل أكثر من ذلك، فإن ظواهر الحياة وعملياتها المختلفة لا تستغرق من عمر الإنسان ما يستغرقه النوم، إذ ينفق الإنسان ثلث عمره نائماً! والبحث في أسرار ظاهرة النوم يشغل الإنسان منذ زمن بعيد. وهذه الظاهرة لا تشغل الإنسان البالغ وحده، ولا تشغل العلماء والباحثين والمفكرين وحدهم، ولكنها واردة حتى قي أسئلة الصغار حين يستفهمون ببراءة: (لماذا ننام؟!).
إنه عالم غريب وعجيب! ذلك العالم المليء بالأسرار والألغاز، إنه عالم النوم. لقد جعل الله النوم آية من آياته ومعجزة تشهد على قدرته سبحانه وتعالى، والعلم الحديث في كل يوم يكشف أسراراً جديدة حول هذه الظاهرة.
هذه الآية التي حيرت العلماء وجعلت العلم الحديث يقف أمامها عاجزاً , فلم يتوصل سوى إلى اكتشاف فوائد النوم وأضرار السهر و تأثيرهما على أجهزة الإنسان النفسية والعصبية , فمن المعلوم أنه يستحيل على كائن من كان أن يعيش دونما نوم أما علم النوم وماهيته فلا يعلمها إلا عالم الغيب سبحانه .
تعريف ظاهرة النوم
النوم يمكن تعريفه بحالة طبيعية من الأستراحة في الثديات والطيور والأسماك حيث تقل أثناءه الحركات الأرادية والشعور بما يحدث في محيط الكائن الحي ولايمكن اعتبار النوم فقدانا للوعي, بل تغيرا لحالة الوعي ولا تزال الأبحاث جارية عن الوظيفة الرئيسية للنوم إلا أن هناك اعتقادا شائعا ان النوم ظاهرة طبيعية لأعادة تنظيم نشاط الدماغ والفعاليات الحيوية الأخرى في الكائنات الحية.
برغم أن الإنسان يقضي حوالي ثلث حياته نائماً، إلا أن الأكثرية لا يعرفون الكثير عن النوم. هناك اعتقاد سائد بأن النوم عبارة عن خمول في وظائف الجسم الجسدية والعقلية يحتاجه الإنسان لتجديد نشاطه. والواقع المثبت علمياً خلاف ذلك تماماً، حيث أنه يحدث خلال النوم العديد من الأنشطة المعقدة على مستوى المخ والجسم بصفة عامة وليس كما يعتقد البعض. بل على العكس، فإن بعض الوظائف تكون أنشط خلال النوم كما أن بعض الأمراض تحدث خلال النوم فقط وتختفي مع استيقاظ المريض. وتعتبر هذه المعلومات والحقائق العلمية حديثة في عمر الزمن، حيث أن بعض المراجع الطبية لم تتطرق إليها بعد.
النوم والذاكرة
تبين للعلماء بنتيجة تجاربهم على الإنسان والحيوان والطيور أن النوم ضروري جداً لتحسين عمل الذاكرة، فعندما تم حرمان بعض الحيوانات من النوم تدنت لديهم مستويات الذاكرة، وحدثت اضطرابات كثيرة في أدمغتهم، وخرج العلماء بنتيجة مفادها أن النوم ضرورة ولا يمكن الاستغناء عنها.
فقد بينت إحدى الدراسات (المنشورة على مجلة Nature Neuroscience, November 2006) أن النوم يساعد كثيراً على تنشيط الذاكرة، كما اكتشف علماء من جامعة أريزونا أن علاقة تربط بين النوم وبين الذاكرة الطويلة والقصيرة للإنسان، وأن النوم بشكل صحيح ينشط الدماغ بشكل جيد وبخاصة المنطقة الأمامية منه والتي هي منطقة الناصية .
وقد تبين نتيجة الدراسات أن المعلومات تخزن في منطقة عميقة من الدماغ تدعى hippocampus لفترة قصيرة ثم تتحرك خلال عدة أيام وبخاصة أثناء النوم العميق إلى قشرة الدماغ في منطقة تدعى neocortex لتصبح في مجال الذاكرة الطويلة الأمد. فقد أكد العلماء Thomas Hahn, Mayank Mehta, Bert Sakmann على أهمية النوم في عملية التعلم والتذكر حيث لاحظوا نشاطاً كبيراً للخلايا العصبية أثناء النوم.
النوم مفيد للطلاب من أجل ذاكرة أقوى
لعل أكثر الفئات التي تهمها مثل هذه الدراسة هم الطلاب الذين يعانون ليلة الامتحان من الإحساس بأنهم نسوا المعلومات التي درسوها، ويحتارون بين اختيار النوم أو مزيد من المراجعة، فقد وجد الباحثون أن النوم يساعد بصورة كبيرة على حدوث التغيرات المطلوبة مخياً في اتصال الخلايا العصبية والمخ، ولهذه الاتصالات دور أساسي في قدرة المخ على التحكم في السلوك والتعلم والذاكرة.
ويعتقد الباحثون أن النتائج قدمت دليلا قويا على أن النوم يساعد العقل على أداء وظيفته جيداً، وأنه يحول الخبرة إلى ذاكرة، وتظهر أهمية هذا الأمر أثناء طريقة استعدادنا للامتحانات. ووجد الباحثون أن التغيرات في المخ متصلة بالنوم العميق أكثر من النوم الخفيف، واكتشفوا أن النوم يلعب دوراً هاماً في تنمية العقل، وهذا الاكتشاف سوف يساعد الباحثين في الإجابة على التساؤل المعقد: لماذا ننام؟ .
صورة كهربائية إحدى الخلايا العصبية في منطقة من الدماغ مسؤولة عن تخزين الذاكرة تدعى hippocampus ويبين المنحني الأحمر النشاط الكهربائي في هذه المنطقة، أما المنحني الأزرق فهو النشاط الكهربائي في قشرة الدماغ حلال نفس اللحظة. وتؤكد الدراسات في هذا المجال أن المعلومات الجديدة التي يحصل عليها الإنسان يتم في البداية تخزينها في جزء من الدماغ يطلق عليه اسم "هيبو كامبوس" Hippocambus. وفي نهاية اليوم، لا يقوم الدماغ بحذف هذه المعلومات ونسيانها، بل أنه يتم استدعائها من جديد وتخزينها في الدماغ.
ويقول البروفيسور مايكل ستريكر من جامعة كاليفورنيا: لو راجع الطالب دروسه جيدا حتى نال منه التعب ثم نام، فإن المخ سيستمر في العمل أثناء النوم بنفس الطريقة، كما لو ظل الطالب طوال الليل يردد ما درسه! وهنا أيضاً نتذكر آية عظيمة لفت القرآن انتباهنا لها في عصر لم يكن أحد على وجه الأرض يدرك أهمية النوم وإعجازه، يقول تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) [الروم: 23]. فالنوم هو معجزة حقيقية لا يزال العلماء يقفون أمامها مندهشين حائرين، وليتهم اطلعوا على كتاب الله لتزول حيرتهم ودهشتهم!
الدماغ يسترجع الذكريات أثناء النوم
يؤكد الباحثون من جامعة شيكاغو أن الحقائق التي ينساها الناس خلال يوم حافل بالعمل ربما يمكن استرجاعها إذا أعقب ذلك النوم بشكل جيد. وطلب الباحثون من متطوعين تذكر كلمات بسيطة، ووجد كثيرون أن ذاكرتهم تخذلهم في نهاية اليوم لكن في صباح اليوم التالي استطاع أولئك الذين ناموا نوماً مريحاًً استرجاع المعلومات بشكل أفضل بكثير.
وهذا يعني أن المخ يمكن أن يسترجع خلال الليل الذكريات التي كادت أن تنسى. وعندما يطلب من المخ تذكر شيئاً لأول مرة تكون هذه المعلومة في حالة غير مستقرة وهو ما يعني أنها ربما تكون قد نسيت. وفي مرحلة ما يضع المخ المعلومات المهمة في حالة أكثر استقراراً وثباتاً. لكن الباحثين يرون أنه من الممكن أن تعود الذاكرة المستقرة إلى حالة عدم الاستقرار مرة أخرى عندما يتم استرجاعها. ويعني ذلك أن الذكريات يمكن تعديلها وحفظها مرة أخرى عند مواجهة تجارب جديدة. إن هذه القضية بالفعل تحير العقول، فهل الطبيعة هي التي صممت هذا النظام الدقيق للنوم؟ وهل المصادفة العمياء هي التي جعلت الكائنات الحية تنام، وهي تعلم أن النوم مفيد لها؟ ولا نملك إلا أن نقول سبحان الله القائل: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [الذاريات: 21].
صورة مأخوذة بجهاز المسح بالرنين المغنطيسي الوظيفي، نرى في الصورة اليسرى دماغ النائم في بداية نومه ولا يبدو أي نشاط عليه، وبعدما تم إسماع النائم عبارات ومعلومات تجاوب دماغه مع هذه المعلومات وبدأ ينشط (انظر المناطق الحمراء على يمين الصورة) ومن هنا تأكد العلماء أن الدماغ يعمل أثناء النوم ويتلقى المعلومات ويخزنها ولذلك أنصح كل أخ وأخت أن يستغلوا فترة نومهم في الاستماع إلى القرآن!
النوم ينمي المواهب والمهارات
يقول الباحثون: إن النوم المريح والمترافق بمواصلة الممارسة واستمرارها، يمكن أن ينمي ويطور المهارات الفردية الخاصة والمواهب الشخصية، وخصوصا ما يتعلق بتنشيط الذاكرة وتنشيط استذكار ما حدث في الماضي، واستذكار التصورات.
يقول الدكتور ستيفان فيشر الذي ترأس هذه الدراسة: إن النوم مفيد بل ضروري لتحقيق مستوى أفضل من المهارات، ويقول رئيس جمعية النوم البريطانية نيل ستاندلي: إن الدراسة الجديدة تؤكد من جديد على أهمية النوم في حياة الإنسان وأنه من الخطأ أن يتصور البعض أن النوم مجرد مضيعة للوقت وبلا فائدة.
يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا) [الفرقان: 47]. إن هذه الآية تؤكد أهمية النوم، وقد نزلت في عصر كان يُنظر فيه إلى النوم على أنه مجرد عادة ولا فائدة منه، ولكن القرآن حدثنا عن معجزة وآية عظيمة هي النوم، وهذا من إعجاز القرآن.
دراسة ألمانية تثبت وجود علاقة بين النوم والإبداع
لقد أثبتت سلسلة من الدراسات الألمانية وجود علاقة بين النوم والقدرة على الإبداع، وأن الدماغ يمارس نشاطات "إبداعية" أثناء النوم. ويقول الدكتور كارل هانت، رئيس المركز القومي لأبحاث اضطرابات النوم التابع للمعاهد القومية للصحة في ألمانيا: إن نتائج وانعكاسات مثل هذه الدراسات ستكون بالغة الأهمية على أداء الأفراد على الصعيدين الدراسي والعملي.
هناك دراسة قام بها علماء جامعة لوبيك أثبتوا فيها نظريات الكيمياء الحيوية biochemical التي تشير إلى أن المخ يعيد ترتيب الذاكرة قبيل التخزين، وترى النظرية أن تطوير القدرات والإبداع يحدث أثناء هذه المراحل، ويقول الدكتور بورن: قد تقع عملية إعادة الترتيب هذه بطريقة ما تسهل من عملية حل المشاكل والمصاعب. ولكن التفاعلات الدقيقة التي تؤدي لشحذ المخ بتلك المقدرات أثناء النوم مازالت غير واضحة.
يهتم العلماء الألمان بظاهرة النوم ويحاولون الاستفادة من نتائج تجاربهم، ويقولون: تبدأ التغييرات في المخ التي تؤدي إلى الإبداع وتطوير القدرات في الحدوث أثناء ما يسمي بالموجات البطيئة slow waves أو النوم العميق التي تحدث أثناء الساعات الأربع الأولى من دورة النوم، وقد تفسر الدراسة الألمانية أيضاً فقدان الذاكرة مع التقدم في العمر الذي يرتبط باضطرابات وقلة النوم، خاصة العميق منه والضروري لعملية شحذ الذاكرة.
وكان الباحثون قد ربطوا منذ وقت طويل بين النوم وقدرته على شحذ الذاكرة وتقوية وترتيب الأفكار، بيد أنهم واجهوا صعوبة في تصميم تجربة تؤكد النظرية الشائعة، وتساهم اضطرابات النوم في التأثير بصورة سلبية على شريحة واسعة من المجتمع الأمريكي تبلغ 70 مليون نسمة، وذلك بتراجع حدة الذكاء وارتكاب الحوادث والإصابة بأنواع مختلفة من الأمراض.
كلما زاد على المعدل اليومي للنوم كلما زاد كسلا وتقاعسا ويرى أنه يحتاج الى النوم أكثر واكثر. وقد اثبتت دراسات أخرى ان النوم الزائد قد يسبب اضطرابات في الجهاز التنفسي ويضعف القدرة على الحصول على كميات كافية من الاكسجين فتجده يستيقظ من النوم فيشعر بالتعب والارق. وقد يتوقع البعض أن الراحة هي في مدة النوم وهذا فهم غير سليم فالراحة لا تأتي من مدة النوم الطويلة أو القصيرة بل تأتي من عمق هذا النوم .
فمتى ابتعد الانسان عن الاقراص المهدئة والمنومة وابتعد عن المنبهات وحصل له جو معتدل ليس بالبارد ولا الحار فبذلك تحصل له الراحة المطلوبة المستفادة من النوم ومن المنومات الخاطئة التي تحصل كثيرا خاصة في مجتمعنا هي النومات التي تأتي بعد الاكل مباشرة فمثل هذه النومات تتسبب في حصول السمنة وترهل الجسم وهذا أمر يجب معرفته على كل افراد المجتمع .
فالبعض لا يعطي لهذه الاسباب القدر الكافي للابتعاد عنها فيقع فيها من غير انتباه. اما النوم الصحي فيجب أن يتحقق فيه ثلاثة شروط أولها الراحة الجسدية وثانيها الراحة العاطفية والاخيرة هي الراحة الفكرية فمتى تمت هذه الشروط الثلاثة فانها تجذب للانسان النوم الصحي الملائم لجسمه فان هناك في جسم الانسان هرمون (السيروتونين) الذي يتولى مهمة تنويم جسم الانسان والعجيب في الهرمون انه يزداد افرازه في الظلام فهو يعتمد على درجة الاضاءة المحيطة بجسم الانسان قال تعالى( وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا). فالنوم الطبيعي لا يكون الا في الليل. أما عن نوم القيلولة فمتى شعرت بالنوم في وقت الظهيرة فنم فهي فترة للراحة تعيد للجسم نشاطه من جديد .
ولا يلزم كونها ساعات بل يكفي فيها الاسترخاء لفترة قصيرة قد تتجاوز النصف ساعة. اما الارق وعلاجه فيمكن التغلب عليه بتجنب النوم لفترات طويلة اثناء النهار والابتعاد عن المنبهات قبل النوم بثلاث ساعات على الاقل وتهيئة الجو المناسب للنوم فبذلك يمكنك التغلب على الارق
كثرة النوم ضارة بالصحة
الآثار السلبية على صحة الانسان من جراء قلة النوم ربما أصبحت اكثر جلاء، إلا أن السؤال يدور الآن حول النوم الزائد. فقد أثبتت دراسة حديثة أن النوم لأكثر من سبع ساعات ونصف يوميا قد يكون له عواقب وخيمة. وبعد مراقبة عادات النوم والصحة لدى ما يقرب من100 ألف شخص ولمدة عشر سنوات تقريبا، توصل الباحثون اليابانيون إلى أن نسبة الوفاة تقل عند الأشخاص الذين ينعمون بالنوم سبع ساعات فحسب. ويؤكد نتائج هذه الدراسة الدكتور دانيل كريبك من جامعة كاليفورنيا بمدينة سان دييغو الأميركية، فقد قال إن دراسة مماثلة توصلت إلى أن معدل الوفاة أعلى عند الأشخاص الذين ينامون ثماني ساعات يوميا بالمقارنة مع من يقتصر نومهم على سبع ساعات. في المقابل، يواجه الأشخاص الذين ينامون لمدة أقل من أربع ساعات ونصف يوميا عواقب وخيمة. وعلى الرغم من نتائج هذه الدراسة، فإن العلاقة التي تربط بين الوفاة ومعدلات النوم غير معروفة تماما، إلا أن بعض العلماء يرجعونها إلى أن الاصابة ببعض الامراض قد يكون مردها المبالغة في النوم. ومع تعدد الآراء، يبقى الإعتدال هو الحل الأمثل.
ومن جديد نقول سبحان الله! لقد نزل القرآن في زمن انتشرت فيه الأساطير وكان الاعتقاد السائد لدى كثير من الشعوب أن النوم لساعات طويلة هو الأفضل، حتى جاءت أبحاث القرن الحادي والعشرين لتثبت أن النوم لفترات قصيرة هو الأفضل للإنسان، ونقول: أليس هذا ما أكده القرآن كثيراً في آياته؟ انظروا معي إلى قول الحق تبارك وتعالى في حق المتقين: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات: 17-18].
كذلك أمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ألا يكثر من النوم وأن يعوض ما ينقصه من نوم الليل من خلال النهار، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا) [المزمل: 1-7].
ففي هذا النص الكريم أمر بعدم الإكثار من النوم في الليل، وتعويض ذلك في النهار، وهذا ما يؤكده عدد من الباحثين اليوم! حتى إن بعض الدراسات تقول بأن النوبات القلبية القاتلة غالباً ما تحدث بعد الصبح وتستمر حتى ما بعد طلوع الشمس، وربما ندرك لماذا كان النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم يمضي هذه الفترة بالذات في ذكر الله والتسبيح وتلاوة القرآن!!
وهناك دراسات أخرى تؤكد أن الاستيقاظ في الليل مفيد للصحة وبخاصة القلب، فالنوم الطويل يضرّ القلب، حيث يتعرض القلب أحياناً لنقص الأكسجين نتيجة النوم الطويل، وبالتالي يقولون: إن الاستيقاظ في الليل ولو لمرة واحدة مفيد لإمداد القلب بالأكسجين الكافي وتجنب الموت المفاجئ! وسبحان الله، هذا ما أكده القرآن وهذا ما كان يفعله النبي عليه الصلاة والسلام عندما كان يستيقظ من الليل فيتفكر في خلق الله ويذكر الله ويقوم الليل!
النوم بالنهار
في دراسة حديثة (نشرتها مجلة Nature Neuroscience) تبين للعلماء أن النوم أثناء الليل لا يكفي للإنسان، بل لابد من النوم أثناء النهار لفترة قصيرة (ساعة ونصف مثلاً) وقد وجدوا أن الدماغ يتعب أثناء النهار من تراكم المعلومات فيصبح أقل كفاءة وبالتالي يحتاج لشيء من الراحة، وهذه الراحة بالنسبة للدماغ هي بمثابة إعادة ترتيب المعلومات وتنظيم اهتزازات الخلايا، وتثبيت المعلومات التي اكتسبها الإنسان في النهار.
ولذلك يؤكدون على ضرورة النوم أو الغفوة أثناء النهار وأن هذا العمل يقوي الذاكرة. فقد وجدوا أن الأشخاص الذين اعتادوا على النوم لفترة قصيرة أثناء النهار، فإن أداءهم العلمي أفضل، وتذكرهم للأشياء يكون أسرع.
وهنا نعود فنتذكر تأكيد القرآن على أن النوم في الليل والنهار مفيد لنا بل إن النوم في النهار لا يقل أهمية عن الليل كما قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)، فهذه معجزة تشهد للقرآن على أنه كتاب منزل من لدن حكيم عليم، لأن هذه المعلومات جديدة على العلماء بل لم يدركوا أهمية النوم بالنهار إلا في القرن الحادي والعشرين، ولكن القرآن أكد على أهميته بل اعتبره معجزة وآية وذلك قبل أربعة عشر قرناً!! وسبحان الله، بعد كل هذه الحقائق يأتي من يقول إن القرآن كلام بشر!
الذاكرة تكون ضعيفة بعد الاستيقاظ مباشرة
قام العلماء من جامعة هارفارد بدراسة حول علاقة الذاكرة بالنوم، واستخدموا لذلك جهاز المسح بالرنين المغنطيسي الوظيفي fMRI
ولاحظوا نشاطاً للدماغ في منطقة محددة، ثم ينتقل النشاط لمنطقة ثانية وهكذا يبدو أن الدماغ يقوم بترتيب المعلومات وتنسيقها وتخزينها بحيث تتم استعادتها بسهولة بعد الاستيقاظ من النوم. ولكن دراسة ثانية أظهرت أن التركيز يكون في الحد الأدنى بعد الاستيقاظ مباشرة، ويتطلب من 15-30 دقيقة حتى يتمكن من استعادة قدراته الذهنية. ولذلك ينصح الباحثون أن يقوم الإنسان بعد الاستيقاظ مباشرة ببعض التمارين الرياضية الخفيفة ريثما يستعيد المخ نشاطه.
وهنا ربما ندرك لماذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يذكر الله كثيراً بعد الاستيقاظ مباشرة، ثم يتوضأ ويصلي، أي أنه كان ينفق جزءاً في الصلاة والذكر من وقته قبل أن يقوم بأي نشاط أو يتخذ أي قرار. ولو تتبعنا أقوال العلماء اليوم نجدهم يؤكدون أن الذاكرة تكون في أقل مستوى لها بعيد الاستيقاظ وأنه من الخطأ اتخاذ أي قرار مهم أو قيادة السيارة أو إعطاء رأي في مسألة ما.
فنجدهم يحذرون الأطباء المناوبين ورجال الإطفاء والعاملين ليلاً والذين يتطلب عملهم اتخاذ قرارات مهمة بعد الاستيقاظ، ينصحونهم بألا يتخذوا أي قرار أو يقوموا بأي عمل إلا بعد مضي ربع ساعة على الأقل، ونقول إن نبينا عليه الصلاة والسلام كان يقضي هذه الفترة بعد الاستيقاظ مباشرة في ذكر الله والصلاة تمهيداً لممارسة عمله اليومي واتخاذ القرارات.
ولذلك يقول تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الزمر: 42]. فهذه الآية تشير إلى أهمية النوم، بل وتربط بين النوم والموت، ولذلك ينبغي أن نهتم بنومنا، وأن نذكر الله قبل النوم وبعد الاستيقاظ، مقتدين بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
النوم والإشعاعات الكهرطيسية
لقد أظهرت دراسة جديدة أن الترددات الكهرطيسية التي تبثها أجهزة الهواتف المحمولة و التلفزيون و أجهزة الكمبيوتر و غير ذلك ,تؤثر على الدماغ، وتؤثر على عملية النوم لدى الإنسان، وتؤخر وصوله إلى مرحلة النوم العميق. وبعد استخدام جهاز المسح بالرنين المغنطيسي الوظيفي تبين لهم أن هناك مناطق تثيرها هذه الموجات الكهرطيسية في الدماغ بشكل يؤذي الخلايا.
فقد نشرت دراسة بحثية في موقع بي بي سي إلى أن استخدام الهاتف المحمول قبل النوم قد يؤدي إلى حرمان المستخدم من نوم هادئ خلال الليل. وأن الإشعاع المنبعث من جهاز الهاتف يمكن أن يسبب الأرق والصداع والتشويش. ويقلل من مدة النوم العميق وذلك بالتأثير على قدرة الجسم على تجديد نشاطه. وأظهرت الدراسة أن عناصر النوم التي يُعتقد أنها مهمة لتخليص الجسم من التعب اليومي تأثرت بشدة.
وقال البروفيسور "بينت أنيتز" إن استخدام الهاتف المحمول مرتبط بحدوث تغيرات محددة في مناطق من الدماغ مسؤولة عن تفعيل وتنسيق نظام الضغط. إن الإشعاع قد يعيق إنتاج هرمون "ميلاتونين" الذي يتحكم في إيقاعات الجسم الداخلية.
ويؤكد العلماء أن الأدلة تزداد قوة بشأن الحاجة إلى توخي الحذر عند التعامل مع الأشعة الكهرطيسية المنبعثة من الهواتف النقالة والتلفزيون وأجهزة الكمبيوتر وغير ذلك. ولذلك ينصح العلماء أن يبعد النائم عنه أي مصدر للإشعاعات، لينام بهدوء وعمق.
و يُنصح بالنوم بعيداً عنها , ليكون النوم هادئ و عميق , و قد ثبت حديثاً أن الدماغ ينشط أثناء النوم في معالجة المعلومات التي مرت عليه في النهار ويتعلم مهارات جديدة ليكون جاهز لاستعمالها بعد النوم و من هنا فإن النوم ضروري جداً للتعلم و من الإعجاز الطريقة التي يعمل بها الدماغ أثناء النوم بل من الذي يجعله بهذا الأداء الرائع و من الذي يُشرف على التنسيق بين الخلايا و كيف تتم الذاكرة و عملية حفظ المعلومات .
و قد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يتوسد يده اليمنى ، وينام على شقه الأيمن , وقد اكتشف العلم الحديث أن هذه النومة تفرغ الشحنات الموجودة في الدماغ , فسبحان من علّمه .
النوم والعمل بالليل
من الأخبار العلمية التي نشرتها وكالة "أسوشيتد برس" عن أهمية النوم ومخاطر العمل في الليل، أن دراسة حديثة توصلت إلى وجود علاقة بين احتمالات الإصابة بالسرطان ونوبات العمل الليلي, وطبقا لدراسة الهيئة الدولية لأبحاث السرطان, فإن منظمة الصحة العالمية أعلنت أن العمل الليلي يسبب السرطان ويتهدد عدة ملايين يمثلون نحو 20% من قوى العمل في مختلف أنحاء العالم.
ووصف "ريتشارد ستيفنز" الخبير الدولي بهذا المجال نتائج الدراسة بأنها تحول مفاجئ, مشيرا إلى أنه أجرى دراسة عام 1987 انتهت إلى الربط بين التعرض للضوء بشكل مستمر أثناء الليل والإصابة بسرطان الثدي.
كما توصلت دراسات أخرى إلى أن الرجال الذين يعملون ليلا معرضون للإصابة بأنواع أخرى من السرطان منها سرطان البروستات. وأكدوا أن العمل الليلي يخرب الساعة البيولوجية للإنسان, إضافة إلى نقص إفراز هرمون الميلاتونين الذي يتركز أثناء النوم ليلا. كما يتسبب نقص معدلات النوم أثناء الليل في التأثير سلبا على مناعة الإنسان وقدرته على مواجهة الأمراض.
و نوم الليل مهم جداً , فهناك غدد مثل الصنوبرية و خلايا الذاكرة الحسيّة الموجودة في الدماغ لا تنام إلا في الليل ,, و قلة النوم تؤدي إلى إضعاف الفهم و المناعة و عدم التركيز , و السهر يؤدي إلى أمراض عديدة مثل ارتفاع ضغط الدم .. و السكر و السمنة و فقدان الذاكرة ( ما يسمى بالزهايمر ) و تسريع حدوث الشيخوخة ,
الدماغ يتعلم أشياء جديدة أثناء النوم
لقد وجد العلماء حديثاً أن دماغ النائم ينشط أثناء النوم في معالجة المعلومات التي مرت عليه في النهار، ويتعلم مهارات جديدة ليكون جاهزاً لاستعمالها بعد النوم، وإن النوم هو ضروري جداً للتعلم.
ويعجب العلماء من الطريقة التي يعمل بها الدماغ أثناء النوم، بل من الذي يجعله يعمل بهذا الأداء الرائع؟ ومن الذي يشرف على التنسيق بين الخلايا، وكيف تتم الذاكرة وعمليات حفظ المعلومات، إنها بحق آية من آيات الخالق تبارك وتعالى تستحق منا الوقوف طويلاً أمامها.
صورة لخلية عصبية في الدماغ، ويقول العلماء إن خلايا الدماغ تنشط أثناء النوم، وتبقى في حالة سهر بينما الإنسان نائم، في داخل كل خلية من هذه الخلايا هناك جهاز كمبيوتر معقد وبرامج تقوم بمعالجة المعلومات والأحداث التي مر بها الإنسان خلال اليوم، وتقوم الخلايا بتنسيق العمل بصورة مبهرة تجعل العلماء في حيرة من أمرهم لا يجدون تفسيراً لظاهرة النوم، في آية ومعجزة.
حقائق قرآنية حول النوم
لقد حدثنا الله تعالى عن النوم كآية من آياته وأكد على أن النوم آية سواء في الليل أو في النهار، يقول تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) [الروم: 23]. وقد كشفت بعض الأبحاث حديثاً عن ضرورة النوم في النهار أيضاً لفترة قصيرة وأثر ذلك على صحة الدماغ وتحسين الذاكرة والأداء كما رأينا.
عندما نزلت هذه الآية، مَن خاطب الله بها؟ المؤمنين أم الملحدين؟ بلا شك إنها خطاب لقوم يسمعون، ولذلك فإن الله تعالى عندما حدثنا عن آية عظيمة ومعجزة كبرى هي النوم، إنما حدثنا عنها لنتفكر ونبحث في أسرار النوم!! ولكن للأسف غير المسلمين هم من يتفكر ويبحث وينفق على هذه الأبحاث والمسلمون نائمون غافلون عن هذه الآيات!! ولذلك نجد الغرب قد تفوق علينا بشكل كبير، فهل ننتبه إلى أهمية البحث العلمي!
وقد تحدث الله في كتابه عن أهمية النوم، يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا) [الفرقان: 47]. فالنوم سُبات أي راحة للإنسان، وبالفعل لولا النوم لا يمكن للإنسان أن يقوم بأي عمل بشكل صحيح، سوف يختل أداؤه، ولذلك فإن النوم ضروري لاستمرار الحياة.
ولذلك يقول تعالى: (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) [النبأ: 9-11]. وقد سخَّر الله تعالى لنا الليل لننام فيه، وهذه نعمة ينبغي علينا أن نشكر الله عليها، يقول تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 33-34].
ويبقى السؤال الذي يحير العلماء: لماذا ننام؟ ومَن الذي يجعلنا ننام؟ وكيف تطورت ظاهرة النوم عند الكائنات الحية على مر العصور؟ إنها أسئلة تستدعي من العلماء أن يتعجبوا من هذه الظاهرة ويؤكد بعضهم أن هذه الظاهرة تكفي لنقض فكرة أن الطبيعة هي التي تعطي للمخلوقات وظائفها والتي ينادي بها الملحدون. ولا نجد أفضل من كلمات الحق تبارك وتعالى القائل على لسان كليمه موسى عليه السلام: (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [طه: 50].
نتائج الحرمان من النوم
- أثبتت الدراسات الحديثة أن قلَّة النوم تؤدي إلى إضعاف الجهاز المناعي لدى الإنسان والحيوان.
- قلَّة النوم تؤدي إلى إضعاف الذاكرة لدى الإنسان، وعدم التركيز، وسهولة الإصابة بالعديد من الأمراض.
- أدى الحرمان من النوم إلى حدوث نشاط سلبي في منطقة الناصية وهي مقدمة وأعلى الدماغ، وهذا النشاط يؤدي إلى تقليل قدرة الإنسان على اتخاذ القرارات السليمة.
- يؤثر نقص النوم على المهام الإدراكية والتأثير على الأداء العقلي ويزيد من الاضطرابات النفسية.
وجد علماء من جامعة شيكاغو أن قلة النوم تؤدي إلى أمراض عديدة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكر والسُّمنة وفقدان الذاكرة، وكذلك تسريع حدوث الشيخوخة.
ظاهرة تحير العلماء!
إنها ظاهرة النوم الطويل لسنوات مع بقاء العيون مفتوحة!! لنتأمل هذه الظاهرة وكيف عالجها القرآن قبل 14 قرناً
طالما حاول المشككون انتقاد القرآن الكريم وطالما حاولوا أن يثبتوا لأتباعهم أن القرآن متناقض علمياً، و"يعجّ" بالخرافات والأساطير البعيدة عن المنطق العلمي، ويسوقون الأمثلة لتأييد وجهة نظرهم الواهية، ومن هذه الأمثلة قصة أصحاب الكهف.
يقولون من على مواقعهم التشكيكية كيف يمكن أن ينام أناس لسنوات طويلة وعيونهم مفتوحة، ثم يستيقظوا؟ ويقولون إن هذا يخالف قوانين الطب إذ لا يمكن تحقيق هذه الظاهرة أي ظاهرة النوم الطويل مع بقاء العيون مفتوحة لا يمكن تحقيقها طبياً.
وسبحان الله العظيم! كلما قرأنا انتقاداً للقرآن وجدنا في اكتشافات العلماء ما يؤكد صدق القرآن ويدحض حجة المعارضين للقرآن. لأن الله تعالى هو القائل في كتابه المجيد: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) [النساء: 141].
لقد اكتشف العلماء ظاهرة حديثة نسبياً في عام 1940 من قبل Ernst Kretschmer ثم جاء العالم Bryan Jennett والعالم الأمريكي Fred Plum ليصفا هذه الظاهرة بدقة ويطلقا عليها مصطلح vegetative state أي حالة الخمول، وفي هذه الحالة يدخل المريض في حالة سُبات ونوم ولكن عيناه مفتوحتان، ويمكن أن يبتسم أحياناً ويحسّ قليلاًُ ما يجري حوله، ويمكن أن يبتلع ريقه وهو في حالة وعي جزئي، ويبدو وكأنه مستيقظ ولكنه في الحقيقة خامل. وتحدث مثل هذه الحالة نتيجة إصابة أو مرض ما.
وقد ظنَّ العلماء في البداية أن هذه الظاهرة هي عبارة عن نوم عميق ولكن تبين أنها غير النوم بل هي ظاهرة فريدة من نوعها، وهي محيرة للعلماء لم يجدوا لها تفسيراً، لابد أن نشير إلى أن المريض في هذه الحالة بحاجة إلى المغذيات التي يتم حقنها بوسائل خاصة.
ويقول العلماء إن الدماغ يطلق إشارات تدل على تفاعله مع محيطه، ويستطيع المصاب أن يتحرك ويستجيب للمؤثرات الخارجية، ولكنه في حالة لا شعورية. وإذا ما نظرت إلى هذا المصاب بحالة الخمول فإنه يبدو لك مستيقظاً، فعندما تحدثه يستجيب دماغه للتعليمات، ولكنه خامل وراقد وفي حالة لا شعورية.
تدل الدراسة بواسطة جهاز fMRI التصوير بواسطة الرنين المغنطيسي الوظيفي، على أن الدماغ يكون في حالة نشاط أثناء الغيبوبة أو الخمول الذي يمر به المصاب ويبقى لسنوات نائماً، ومن هنا يحتار العلماء: مَن الذي يحرك هذا الدماغ، ومَن الذي يلهم هذا المصاب أن يبقى على قيد الحياة على الرغم من أنه غائب تماماً عن الحياة؟ ومن الذي يجعل هذا المصاب يستيقظ فجأة فيتحدث وكأن شيئاً لم يكن؟
أصحاب الكهف
يحدثنا رب العزة تبارك وتعالى عن فتية آمنوا بربهم وهربوا من الملك الظالم ليفوزوا بدينهم وآخرتهم ولجأوا إلى كهف فأكرمهم الله بمعجزة عظيمة وليكونوا آية لقومهم في ذلك الزمن، يقول تعالى: (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا) [الكهف: 10-12].
ولو تأملنا هذه القصة وجدناها تطابق الظواهر الطبية العلمية، في طريقة نوم أصحاب الكهف وطريقة تقليبهم ذات اليمين وذات الشمال. ويقول العلماء الذين أجروا مسحاً لدماغ مثل هؤلاء المصابين بحالة النوم الطويل أو (الخمول) أن نتائج المسح أظهرت أن الدماغ لديهم يشبه تماماً الدماغ الطبيعي السليم في نشاطه. إن هؤلاء المرضى يبدون طبيعيين جداً ويحسبهم الإنسان في حالة صحيحة ويقظة.
وهنا نتذكر قول الله تعالى عندما وصف أصحاب الكهف: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ) [الكهف: 18]. ويصف تقلبهم وهذه ردود أفعال يستجيب لها الراقد بشكل طبيعي، يقول تعالى: (وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ) [الكهف: 18].
من هنا نستنتج أن القرآن منطقي جداً في وصفه لهذه القصة، ولكن المعجزة هنا تكمن في رقود هؤلاء الفتية لفترة طويلة جداً تبلغ 309 سنوات، بدون طعام أو شراب. وهذه معجزة إلهية ينبغي علينا كمؤمنين أن نستيقن بها، ولكن موضوع النوم لسنوات طويلة فهذه حالة طبية عادية جداً.
العلماء يحتارون
مصابة أمريكية بحالة الخمول vegetative state بقيت لمدة ست سنوات في هذه الحالة، وفجأة استيقظت وتحدثت مع أهلها وكأن شيئاً لم يكن، وبقيت مستيقظة ثلاثة أيام تكلم من حولها ثم عادت إلى حالتها الأولى! ويقول الأطباء إنها استيقظت أربع مرات خلال فترة سُباتها، وأن أكثر ما يحير في هذه الظاهرة أنها ليس نوماً وليست غيبوبة، وهذا ما يزيد من حيرتهم. والعجيب أن الله تعالى سمَّى ظاهرة شبيهة حدثت مع أصحاب الكهف بالرقاد فقال: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ).
كما أن الأطباء يعتبرون أن عودتها للحياة تمثل معجزة!! وقد حيَّرت هذه الظاهرة علماء أمريكا لأنهم لم يجدوا لها تفسيراً، ويعتبرون هذه الحالات شبه معجزة، والسؤال: إذا كان علماء الغرب يرون بأعينهم أناساً ينامون سنوات طويلة فلماذا لا يقتنعون بصدق كتاب الله تعالى عندما يحدثهم عن أصحاب الكهف؟
والسؤال الثاني: كيف استطاع النبي الكريم لو لم يكن رسولاً من عند الله أن يصِف لنا بدقة حالة هؤلاء النائمين ويقول: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ)؟ إنه كلام الله تعالى أودع فيه من البراهين ما يثبت صدقه (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا) [النساء: 87].