يعود تاريخ مقام النبي موسى القريب من مدينة أريحا إلى عهد صلاح الدين الأيوبي، ولا يوجد لهذا المبنى علاقة تاريخية بالنبي موسى (عليه السلام)، إذ أن الثابت تاريخيا أن النبي موسى (عليه السلام) قد توفي ودفن في التيه، ولم يدخل فلسطين. ولم يعرف له قبر وفقدت آثاره على جبل نيبو في الأردن، كما ورد في للعهد القديم.
وصف للموقع
يبعد مقام النبي موسى عن طريق القدس- أريحا التاريخي كيلومترا واحدا، ويبعد نحو 200 متر عن المنطقة العسكرية الاحتلالية المغلقة منذ عام 1967م والتي تمتد من شمال البحر الميت إلى جنوبه على حدود الخط الأخضر بعمق يتراوح ما بين 10-15 كلم.
يمثل بناء المقام الفن المعماري الإسلامي بأبسط وأجمل صورة، فهو بناء ضخم مكون من ثلاثة طوابق يعلوها مجموعة من القباب، ويتكون البناء من ساحة كبيرة مفتوحة تقع في المنتصف وحولها أكثر من 120 غرفة وقاعة، الجامع الرئيس مع المنارة يقع مقابل الحائط الغربي للساحة. في الداخل، يوجد هناك محراب يشير نحو مكة المكرمة وهو يستخدم من قبل الإمام الذي يؤم الصلاة، ينقسم الجامع إلى قسمين بوجود حائط مع فتحة كبيرة من القسم الشرقي الكبير وهو مخصص للرجال والقسم الغربي الأصغر المخصص للنساء، على الجانب الأيمن للمدخل الرئيسي يوجد هنالك باب يؤدي إلى غرفة صغيرة يتوسطها ضريح مغطى بقماش أخضر حيث يقع مكان دفن النبي موسى عليه السلام .
يوجد هناك نقش مملوكي على الحجر باللغة العربية على الحائط ينص : " تم بناء هذا المقام على قبر النبي الذي تكلم مع الله سبحانه وتعالى وهو موسى عليه السلام بناءً على أمر من جلالة السلطان طاهر أبو الفتاح بيبرس سنة 668 هجري" لقب أبو الفتاح يعني الفاتح وقد لقب بهذا الاسم بعد تحريره لفلسطين من أيدي الصليبيين .
تقوم المنارة التي تقع خارج الجامع بإضافة مظهر شمولي رائع للمقام ولوادي الأردن وللهضاب الصحراوية الموجودة في الخلف، في يوم صاف يستطيع المرء رؤية تلال مؤاب على الضفة الشرقية لنهر الأردن، وكذلك جبل نيبو الذي له علاقة مع قصة النبي موسى عليه السلام حسب الكتاب المقدس.
ويضم مقام النبي موسى الآن إضافة للقبر والمسجد عشرات الغرف وإسطبلات للخيل ومخبزا قديما وآبارا، وتمتد في الخلاء حوله مقبرة، يدفن فيها من يوصي بذلك تقربا لله ولنبيه موسى ، وعلى بعد كيلو مترا منه يوجد بناء يضم قبر حسن احمد خليل الراعي الذي خدم المقام وتوفي قبل نحو 300 عام.
ويتكون البناء الحالي من الجامع و المنارة وحجرات مختلفة وقد أكتمل في سنة 1269 بعد الميلاد خلال فترة حكم السلطان المملوكي الظاهر بيبرس الذي حكم في الفترة الممتدة بين 1260 و 1277، قام هذا السلطان بتوريث العديد من الأراضي الزراعية والقرى كأراضي " وقف " للحفاظ على المقام، من هذه الأراضي ترمس عيا، المزرعة، خربة أبو فلاح، صور باهر، وكذلك أراضي وادي القلط، في حقبات زمنية لاحقة تم ضم أراضي وقرى أخرى من منطقة نابلس وعجلون.
تم إضافة العديد من الغرف للحجاج والتي غيرت من معالم المقام الخارجية حتى وصل إلى شكله وحجمه الحاليين في 1475 ميلادي،كذلك أجريت إصلاحات أخرى هامة خلال الحكم العثماني في 1820، هذه المعلومات موثقة في نقش حجري موجود في أعلى المدخل الغربي للمقام.
تخص المقبرة الكبيرة التي تقع خارج أسوار المقام المسلمين الذين توفوا خلال الاحتفالات أو الذين طلبوا أن يدفنوا هنا بسبب المكانة الدينية للموقع، ومن المتعارف عليه محلياً أن المقبرة تحتوى على ضريحين مهمين بني عليهما مقامين اثنين المقام الأكبر يقع إلى الغرب من مقام النبي موسى عليه السلام بمسافة كيلو متر واحد وهذا المقام حسب التقاليد والأعراف هو لـشخص يدعى حسن الراعي وهو راعي أغنام عمل لدى النبي موسى عليه السلام، مع العلم أنه وبالرجوع إلى المعلومات المدونة فإن حسن الراعي يكون الحارس المسؤول عن حراسة المقام في القرن التاسع عشر ومن سوء الحظ أنه تم تخريب هذا المقام في السنوات الأخيرة، أما المقام الثاني والذي يقع في الجهة الجنوبية الشرقية هو للسيدة عائشة وهي امرأة صالحة عاشت في المنطقة في السابق وأول ذكر لهذا المقام كان في سنة 1920.
صورة جوية لمقام النبي موسى (عليه السلام)
متى تم بناؤه:
وعندما مر صلاح الدين الأيوبي في هذا المكان لم يكن المقام موجودا بالطبع، وحسب الروايات أنه وجد في المكان بعض الأعراب يقيمون حول قبر، فسألهم عن هوية صاحبه، فقالوا له بأنه لكليم الله موسى، فشرع ببناء المقام. وأتم الظاهر بيبرس القائد المملوكي المهمة ببناء المسجد والأروقة عام 1265م، وأوقف عليه الكثير من العقارات والأراضي، ولم تتوقف عمليات إعماره والإضافة إليه حتى العهد العثماني.
ويذكر المؤرخون أن الناصر صلاح الدين الأيوبي كان خلال فترة تحريره لفلسطين من الصليبيين أول من بدأ بإقامة وإنشاء المقامات فيها تخليدا لذكرى الأنبياء والأولياء والقادة والعلماء من المسلمين، وتكريما لبعض شهداء المعارك الإسلامية. وكان يهدف من وراء هذا العمل إلى الشد من عضد المسلمين وزيادة تلاحمهم بالتاريخ والدين الإسلامي، وتقوية الترابط بين المسلمين والأراضي الإسلامية.
فبعد أن تم للقائد البطل صلاح الدين الأيوبي تحرير القدس وسائر فلسطين من براثن الاحتلال الصليبي، لم يكن ذلك ليمنعه من السماح للفرنجة الصليبيين بزيارة الأماكن المقدسة المسيحية، فأذن لهم "بالحج" إلى القدس في عيد الفصح، لكن الصليبيين أساؤوا استغلال هذا التسامح الإسلامي، فكانوا يستغلون الزيارات الدينية في تلك المناسبة من أجل التظاهر ضد المسلمين والحكم الإسلامي، وتكررت من قبلهم المحاولات من أجل إثارة بعض الشغب والقلاقل والفتن.
لذلك، فقد تفتقت العبقرية العسكرية لهذا القائد الأيوبي الفذ، عن فكرة ابتكار احتفالات ومواسم دينية جديدة للمسلمين، من أجل التعبير عن قوة ووحدة المسلمين أمام الفرنجة الذين كانوا يقدمون ويتواجدون بصورة تجمع كبير، في بعض المناطق الفلسطينية، وفي مدينة القدس على وجه الخصوص، وقد أصدر الناصر صلاح الدين أوامره للمرة الأولى في تاريخ فلسطين بتنظيم المواسم الدينية عبر فلسطين كلها، وجعل لكل مدينة موسماً خاصاً بتلك المدينة، حيث يجتمع أبناء المدينة وما حولها من القرى، في زمن محدد يقع بين أواخر شهر آذار (مارس) وحتى نهاية شهر نيسان (أبريل) من كل عام، وهي فترة قدوم الفرنجة المسيحيين من خارج فلسطين لزيارة الأماكن المقدسة، فتصبح البلاد في تلك الفترة في حالة استنفار وتأهب كامل، لأن معظم السكان المسلمين كانوا يحتشدون بكل ما لديهم من قوة، يتبارون ويتبارزون ويستعرضون قوتهم، حتى إذا ما فكر الفرنجة في استغلال زيارتهم للعدوان، هب المحتفلون بالمواسم ضدهم، وكان حشد المسلمين في هذه المواسم الدينية دواءً لذلك الداء منذئذ.
وبناءً على تلك التعليمات الأيوبية كان تنظيم احتفالات "موسم النبي موسى" لمدينة القدس وما حولها بعد تحريرها عام 1187م، وموسم النبي صالح لمدينة الرملة وقراها، وموسم النبي روبين لمدينة يافا، وموسم المنطار لبدو النقب وشرق غزة، وموسم دير الروم لمدينة غزة الفوقية، يحتفل به أبناء غزة بالقرب من بابها الجنوبي "باب دير الروم" الذي يطلق عليه عامة الشعب "موسم الداروم" أو الدارون خاصة بعد أن ظفر الناصر صلاح الدين بمدينة غزة وعسقلان ودير الروم (دير البلح) وفق اتفاقية صلح الرملة عام 1192م.
حظر الاحتفالات بالموسم:
استمر الحظر المفروض على إقامة احتفالات "المواسم" في سنة 1937 حيث استخدم المقام كقاعدة عسكرية تحت الحكم الأردني وتحت الحكم الإسرائيلي فيما بعد حتى سنة 1973 حيث سلم الموقع إلى الوقف الإسلامي في القدس، أجريت هذه الاحتفالات لمرة واحدة في 1987 ولكنها أوقفت من قبل الإسرائيليين في بداية الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال في شهر كانون أول من تلك السنة وفي سنة 1992 وضعت اتفاقية أوسلو هذا المكان المقدس تحت وصاية وزارة الأوقاف الإسلامية الفلسطينية وقد كان من الضروري إجراء العديد من الإصلاحات والترميمات للمقام، وقد قامت السلطة الوطنية الفلسطينية بتعيين لجنة خاصة لهذا الأمر.
اليوم تعيش عائلة فلسطينية من مدينة أريحا في الموقع و تقوم بالاعتناء به وهم سيسعدون باصطحاب الزوار في جولة حول المقام، هذه العائلة تدير متجر صغير لبيع الهدايا الرائعة والنادرة مثل زيت الزيتون المصنوع محلياً والصابون المصنوع من الزيت والعسل حيث تذهب العائدات للمحافظة على الموقع وصيانته، يكون المقام مفتوح يومياً من الساعة الثامنة صباحاً وحتى غروب الشمس ولا توجد رسوم دخول للموقع.
وكانت بعض العائلات من خارج فلسطين تدفن موتاها في هذه المقبرة مثل عشيرة العدوان الأردنية، وتوقف ذلك بسبب الاحتلال. وكانت تستعمل غرفة العائلات التي كانت تأتي من شتى المناطق الفلسطينية لتشارك في موسم النبي موسى.
وكانت الاحتفالات في تلك المواسم تبدأ بالمناداة مباشرة بعد صلاة الجمعة من شهر نيسان (أبريل)، من قاعة المحكمة الشرعية في باب السلسلة، بحضور قاضي ومأمور أوقاف القدس الشريف والعلماء والوجهاء، وتستمر مع وصول مواكب المحتفلين من مختلف مناطق فلسطين إلى نقاط التجمع (التي كانت تسمى بالمقامات)، مع رفع الأعلام والرايات الإسلامية، وسط الأهازيج، وزغاريد النساء.
بدء الاحتفالات
وبالنسبة لاحتفال وموسم النبي موسى الإسلامي الذي يصادف أسبوع الفصح المسيحي، فقد كان المسلمون شبابا وفرسانا يتجمعون فيه من مدينة الخليل ومدينة نابلس والمناطق القريبة منهما، من بعض المناطق الفلسطينية الأخرى، وكانوا يحملون الأعلام والبيارق والرايات الإسلامية المختلفة، فيلتقون في القدس، ثم يتجهون إلى مقام النبي موسى قرب أريحا.
وقد ظلت الشعائر والاحتفالات الدينية تقام في موقع مقام النبي موسى منذ التحرير الأيوبي للقدس لغاية عام 1948. وفي التاريخ الفلسطيني المعاصر ارتبط مقام النبي موسى بالسياسة وبالأهداف الوطنية والقومية، وبالزعيم الفلسطيني أمين الحسيني، حيث كان يقود المواكب التي تأتى من كل مناطق فلسطين وتتجمع في القدس نحو النبي موسى وتبقى الوفود هناك أسبوعا ثم تعود إلى القدس بموكب تنشد فيه الأناشيد الوطنية والدينية
وفي عام 1920م مثلا قررت قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية استثمار احتفالات النبي موسى بالتحريض ضد الاحتلال البريطاني الداعم للهجرة الصهيونية، وكان ذلك بداية انتفاضة الشعب الفلسطيني في ذلك العام.
وجاء توقف الاحتفالات مؤقتا بسبب ظروف الحرب العربية الإسرائيلية في ذلك الوقت، ثم عادت مرة أخرى في الخمسينيات وحتى حرب حزيران عام 1967، حين قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بمنع هذه الاحتفالات الدينية الإسلامية، إلى أن تم توقيع اتفاقية أوسلو التي احتوت على بند خاص ينص على إعادة إقامة وتنظيم الاحتفالات في موقع النبي موسى. غير أن سلطات الاحتلال عادت مرة أخرى فمنعت إقامة هذه الاحتفالات على الرغم من ذلك البند الخاص
.